Halloween party ideas 2015

 
تــمــهــيـد   
يختلف المؤرخون في من الرسول صلى الله عليه و سلم حين نزل عليه الوحي هل أربعين أم ثلاث و أربعين واختلفوا في اليوم الذي نزل فيه
الوحي: السابع أو الثامن عشر أو الرابع والعشرين واختلفوا أيضا في كيفية تلقي الرسول للوحي ,وهل كان في اليقظة أم في المنام؟ ولكن الصحيح أن الوحي نزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين السابع من رمضان للسنة الثالثة عشرة قبل الهجرة أو الحادية والأربعين من مولده فيكون عمره بالضبط أربعين سنة قمرية وستة أشهر وثمانية أيام وذلك نحو 39 سنة شمسية وثلاثة أشهر وثمانية أيام وذلك يوافق السادس من أغسطس سنة 160 ميلادية 
نزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في غار حراء فقال:اقرأ
فقال:ما أنا بقارئ
يقول الرسول صلى الله عليه و سلم ,:فغطني حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني
فقال: أقرأ
فقلت : ما أنا بقارئ
فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ  فرجع بها الرسول الله صلى الله عليه و سلم يرجف فؤاده فدخل على زوجته خديجة رضى الله عنها فقال زملونى, فزملته, حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة بعد أن أخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة : كلا والله لا يخزيك الله ابدا إنك لتصل الرحم , وتحمل الكل , وتكسب المعدوم, وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق
انطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد عبد العزى وكان عم خديجة وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية وكان شيخا كبير قد عمى, فقالت له يا بن عم اسمع من أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه و سلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس (أي جبريل أو الوحي ) الذي نزل على موسى ياليتنى كنت جذعا (شابا قويا) ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أو مخرجي هم: قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدر كني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم يلبث ورقة أن توفى وفتر الوحي 
واشتد ذلك على رسول الله فكان يجوب شعاب مكة ويصعد جبالها عله يقابل الملك الذى جاءه بالغار, ولم يلبث أن نزل الوحى عليه مرة أخرى يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : بينما أنا أمشى إذ سمعت صوتا من السماء, فرفعت بصري فاذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه, فرجعت فقلت : زملونى زملونى فأنزل الله عز وجل : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ  إلى قوله : وَالْرُّجزَ فَاهْجُر فحمي الوحي وتواتر 
وحاول محترفوا التشكيك فى الإسلام أن يزيفوا حقيقة الوحى الإلهية ويقولون أنه مرحلة متقدمة من مراحل الصفاء النفسى لمحمد علية السلام بمعنى أن محمدا أمعن فكره وأطال تأمله حتى تكونت عنده عقيدة يراها كفيلة بالقضاء على الوثنية , فدعا الناس إليها وهم بذلك يريدون أن يشككوا المسلمين فى حقيقة دينهم وإن ما أتى به محمد ليس من ربه وإنما من عند نفسه, وهم أن نجحوا فى ذلك إنهدمت العقيدة الإسلامية وهذا كل ما يأملون وفى محاولة للرد على هؤلاء يقول الدكتور البوطى
لقد فوجئ محمد صلى الله عليه و سلم وهو فى غار حراء بجبريل أمامه يراه بعينة, وهو يقول له أقرا, حتى يتبين أن ظاهرة الوحى ليست أمرا ذاتيا داخليا مردة إلى حديث النفس المجرد وإنما هى إستقبال وتلق لحقيقة خارجية لا علاقة لها بالنفس وداخل الذات.وضم الملك إياه إرسالة ثلاثة مرات قائلا فى كل مرة : أقرا يعتبر تأكيدا لهذا التلقى الخارجي ومبالغة فى ما قد يتصور من أن الامر لا يعد كونه خيالا داخليا فقط 
ولقد داخلة الخوف والرعب مما سمع ورأى حتى أنه قطع خلوته فى الغار وأسرع عائدا إلى البيت يرجف فؤاده مما يدل على أن ظاهر الوحى هذه لم تأت منسجمة أو متممة لشيء مما قد يتصوره أو يخطر فى باله, وإنما طرأت طروءا مثيرا على حياته وفوجئ بها دون أي توقع سابق 
ثم إن شيئا من حالات الإلهام أو حديث النفس أو الإشراف الروحي أو التأملات العلوية, لا يستدعى الخوف والرعب وامتقاع اللون. وليس ثمة أي انسجام بين التدريج والتأمل من ناحية ومفاجأة الخوف والرعب من ناحية أخرى, وإلا لاقتضى ذلك أن يعيش عامة المفكرين والمتأملين نهبا لدفعات من الرعب والخوف المفاجئة المتلاحقة 
وقد كان الله عز وجل قادرا على أن يربط على قلب رسوله ويطمئن نفسه بأن هذا الذي كلمة ليس إلا جبريل: ملك من ملائكة الله جاء ليخبره أنه رسول الله إلى الناس- ولكن الحكمة الإلهية الباهرة تريد إظهار الانفصال التام بين شخصية محمد صلى الله عليه و سلم قبل البعثة وشخصيته بعدها وبيان أن شيئا من أركان العقيدة الإسلامية والتشريع الإسلامي لم يطبخ فى ذهن الرسول عليه الصلاة والسلام مسبقا ولم يتصور الدعوة إليه سلفا 
لقد قضت الحكمة الإلهية أن يحتجب عنه الملك الذي رآه لأول مرة في غار حراء مدة طويلة وأن يستبد به القلق من ذلك, ثم يتحول القلق لديه إلي خوف في نفسه من أن يكون الله عز وجل قد قلاه بعد أن أراد أن يشرفه بالوحي والرسالة, لسوء قد صدر منه حتى لقد ضاقت الدنيا عليه وراحت تحدثه نفسه كلما وصل إلى ذروة جبل أن يلقى منها!! إلى أن رأى ذات يوم الملك الذي رآه في حراء ملأ شكله ما بين السماء والأرض يقول: يا محمد أنت رسول الله إلى الناس فعاد مرة أخرى وقد استبد به الخوف والرعب إلى البيت حيث نزل عليه قوله تعالى:يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ  وإذا فإن حديث بدء الوحي على النحو الذي ورد فى الحديث الثابت الصحيح ينطوي على تهديم كل ما يحاول المشككون تخييله إلى الناس في أمر الوحي والنبوة التي أكرم الله بها محمدا عليه والصلاة والسلام وإذا تبين لك أدركت مدى الحكمة الالهية العظيمة في أن تكون بداءة الوحي على النحو الذي أراده عز وجل وربما عاد بعد ذلك محترفوا التشكيك, يسألون: فلماذا كان ينزل عليه صلى الله عليه و سلم الوحي بعد ذلك وهو بين الكثير من أصحابه فلا يري الملك أحد منهم سواه؟ 
والجواب أنه ليس من شروط وجود الموجودات أن ترى بالأبصار, إذ أن وسيلة الابصار فينا محدودة بحد معين وإلا لاقتضى ذلك أن يصبح الشيء معدوما إذا ابتعد عن البصر بعدا يمنع من رؤيته. على أن من اليسر على الله جل جلاله- وهو الخالق لهذه العيون المبصرة- أن يزيد فى قوة ما شاء منها فيرى ما لا تراه العيون الأخرى
ثم إن استمرار الوحي بعد ذلك يجعل نفس الدلالة على حقيقة الوحي وأنه ليس كما أراد المشككون, ظاهرة نفسية محضة, ونستطيع أن نجمل هذه الدلالة فيما يلي
أولا: التميز الواضح بين القرآن والحديث إذ كان يأمر بتسجيل الأول فورا على حين يكتفي بأن يستودع الثاني ذاكرة أصحابه لا لأن الحديث كلام من عنده لا علاقة للنبوة به, بل لأن القرآن موحى به إليه بنفس اللفظ والحروف بواسطة جبريل عليه السلام أما الحديث فمعناه وحي من الله عز وجل, ولكن لفظه وتركيبة من عنده عليه السلام, فكان يحازر أن يختلط كلام الله عز وجل الذي يتلقاه من جبريل بكلامه هو
ثانيا: كان النبي صلى الله عليه و سلم يسأل عن بعض الأمور, فلا يجيب عليها, وربما مر على سكوته زمن طويل, حتى إذا نزلت آية من القرآن في شأن ذلك السؤال, طلب السائل وتلا عليه ما أنزل من القرآن في شأن سؤاله, وربما تصرف الرسول في بعض الأمور على وجه معين فتنزل آيات من القرآن تصرفه عن ذلك الوجه وربما انطوت على عتاب ولوم 
ثالثا: كان الرسول الله صلى الله عليه و سلم أميا..وليس من الممكن أن يعلم إنسان بواسطة المكاشفة النفسية حقائق تاريخية, كقصة يوسف وأم موسى حينما ألقت وليدها في اليم وقصة فرعون ولقد كان هذا من جملة الحكم في كونه صلى الله عليه و سلم أمياً وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ
رابعا: إن صدق النبى صلى الله عليه و سلم أربعين سنة مع قومه واستشهاده فيهم بذلك يستدعى أن يكون صلى الله عليه و سلم من قبل ذلك صادقا مع نفسه

السؤال: هل يمكنكم ذكر قائمة بكل أو معظم معجزات النبي صوات الله وبركاته عليه؟

تم النشر بتاريخ: 2008-10-03

الجواب :
الحمد لله :
معجزات النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة متعددة ، وقد جاوزت الألف ، كما صرح بذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في "إغاثة اللهفان" (2/691)، وهذه المعجزات منها ما حصل وانتهى ، ومنها ما هو باق إلى أن يشاء الله تعالى ، وهو المعجزة العظمى ، والآية الكبرى على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي القرآن العظيم ، الآية الباقية الدائمة التي لا يطرأ عليها التغيير والتبديل ، وهو معجز من وجوه عديدة : من جهة لفظه ، فقد تحدى الله فصحاء العرب أن يأتوا بمثل سورة منه فعجزوا.
ومعجز بما فيه من أخبار مستقبلة وقعت كما أخبر عنها ، كقوله تعالى : (الم * غُلِبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ) الروم/1-3 .
ومعجز بما فيه من تشريعات محكمة ما كانت البشرية كلها تهتدي لمثلها .
ومعجز بما فيه من علوم وأخبار عن أسرار هذا الكون ، والذي لا يزال العلم الحديث يكتشف يوماً بعد يوم شيئاً فشيئا من هذه الأسرار.
وأما المعجزات التي حصلت وانتهت فهي كثيرة كما قلنا ومن أشهرها:
1- معجزة الإسراء والمعراج ، وقد جاء القرآن بذكر الإسراء صراحة والإشارة إلى المعراج ، وجاءت الأحاديث من السنة الصحيحة المستفيضة ببيان المعراج وما كان فيه.
2- معجزة انشقاق القمر ، وقد ورد القرآن بذكرها ، وتواترت بها السنة ، كما قال ابن كثير رحمه الله تعالى ، وأجمع على ذلك المسلمون.
3- تكثير القليل من الطعام بين يديه صلى الله عليه وسلم حتى كان يأكل منه من معه من الجيش، وتبقى منه بقية ، والأحاديث في ذلك في الصحيحين وغيرهما.
4- نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وتكثير الماء حتى يشرب منه جميع الجيش ويتوضؤون والأحاديث في ذلك أيضاً في الصحيحين.
5- إخباره صلى الله عليه وسلم بالأمور الغيبية المستقبلة ثم تقع كما أخبر ، وقد حدث مما أخبر به شيء كثير ، ولا نزال نرى أشياء تحدث مما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
6- حنين الجذع إليه لما فارقه إلى المنبر . والحديث في صحيح البخاري.
7- تسليم الحجر عليه وهو في مكة . والحديث رواه مسلم.
8- إبراء المرضى ، والأحاديث في ذلك كثيرة في الصحيحين وغيرها .
والمعجزات كما قلنا كثيرة وهذا طرف منها، وقد أَلَّف العلماء في جمع معجزات النبي صلى الله عليه وسلم مؤلفات عديدة كدلائل النبوة للبيهقي، وأعلام النبوة للماوردي، وكتب العقيدة مملوءة بذكرها في مبحث الإيمان بالرسل.

والله أعلم.

إن الدارس لشخصية رسول الله  صلى الله عليه وسلم ليستلف نظره ذلك التوازن الدقيق بين معالمها مما لا يمكن أن تجده في أي بشر سواه، هذا التوازن - الذي يعد من أبرز دلائل نبوته - يتمثل في الكم الهائل من الشمائل ومحاسن الأخلاق التي اجتمعت في شخصيته  صلى الله عليه وسلم على نسق متعادل لا تطغى صفة على صفة ولا توظف صفة في موقف لا تحتاجه ولا تليق به بل لكل مقام مقال ولكل حالة لبوسها حتى لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهى عنه أو ما نهى عنه أمر به أو ليته زاد في عفوه أو نقص من عقابه إذ كل منه على أمنية أهل العقل وفكر أهل النظر، إنه الكمال البشرى الذي يقود المسلمين إلى مزيد من الإعجاب والحب لرسولهم الكريم مفاخرين الدنيا بأسرها أنهم أتباع سيد البشر.
التوازن النفسي في شخصية الرسول  صلى الله عليه وسلم
حقق التوازن النفسي في شخصية الرسول  صلى الله عليه وسلم أسمى غاياته فكان ذو نفس سوية تتمتع بمثالية يدركها من له أدنى معرفة بالسلوك النفسي وأبعاده فما كان  صلى الله عليه وسلم بالكئيب العبوس الذي تنفر منه الطباع ولا بالكثير الضحك الهزلى الذي تسقط مهابته من العيون ولم يكن حزنه وبكاؤه إلا مما يحزن ويبكى منه العقلاء في غير إفراط ولا إسراف وفي ذلك يقول ابن القيم [ وأما بكاؤه  صلى الله عليه وسلم فلم يكن بشهيق ورفع صوت ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا ويسمع لصدره أزيز وكان بكاؤه تارة رحمة للميت وتارة خوفا على أمته وشفقة عليها وتارة من خشية الله وتارة عند سماع القرآن وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال مصاحب للخوف والخشية ولما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه وبكى رحمة له وقال (تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) وبكى لما شاهد إحدى بناته ونفسها تفيض وبكى لما قرأ عليه ابن مسعود سورة النساء وانتهى فيها إلى قوله تعالى (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) وبكى لما مات عثمان بن مظعون وبكى لما كسفت الشمس وصلى صلاة الكسوف وجعل يبكى في صلاته وجعل ينفخ ويقول (رب ألم تعدني ألا تعذبهم وأنا فيهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك) وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته وكان يبكى أحيانا في صلاة الليل ](1).
أما ضحكه  صلى الله عليه وسلم فكان يضحك مما يُضحك منه وهو مما يُتعجب من مثله ويستغرب وقوعه ويستندر كما كان يداعب أصحابه. فعن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال (أتت امرأة يقال لها أم أيمن إلى النبي  صلى الله عليه وسلم فقالت إن زوجي يدعوك قال: ومن هو ؟ أهو الذي بعينه بياض ؟ قالت والله ما بعينه بياض فقال بلى إن بعينه بياضا فقالت لا والله فقال ما من أحد إلا وبعينه بياض) رواه أبو داود وعن أنس بن مالك أن رجلا أتى النبي  صلى الله عليه وسلم فاستحمله فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم (إنا حاملوك على ولد ناقة) فقال يا رسول الله ما أصنع بولد ناقة فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم (وهل تلد الإبل إلا النوق) رواه الترمذى.
التوازن السلوكي في شخصية الرسول  صلى الله عليه وسلم
كان التوازن السلوكي في شخصية رسول الله  صلى الله عليه وسلم أحد دلائل نبوته فلقد جعل هذا التوازن من رسول الله  صلى الله عليه وسلم القدوة العليا التي تمثلت فيها كل جوانب الحياة فهو الأب والزوج ورئيس الدولة والقائد للجيش والمحارب الشجاع كما كان المستشار والقاضي والمربى والمعلم والعابد والزاهد … إلى آخر صفاته  صلى الله عليه وسلم التي كانت من الخصب بحيث استوعبت كل جوانب حياة البشر الأمر الذي جعل من رسول الله  صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للناس كافة على اختلاف طبقاتهم ومشاربهم حتى تقوم الحجة على الناس مرتين مرة بالبيان النظري ومرة بالبيان العملي وإليك بعض مظاهر هذا التوازن السلوكي:-
(أ) التوازن النبوي بين القول والفعل.
(شهدت البشرية في تاريخها الطويل انفصالا بين المثل والواقع، بين المقال والفعال، بين الدعوى والحقيقة وكان دائما المثال والمقال والدعوى أكبر من الواقع والفعال والحقيقة وهذا شيء يعرفه من له أدنى معرفة بالتاريخ والحياة غير أن هذه الظاهرة تكاد تكون مفقودة في واقع الرسل وأتباعهم فهم وحدهم الذين دعوا الإنسانية إلى أعظم قمم السمو ومثلوا بسلوكهم العملي هذه الذروة بشكل رائع مدهش)(2).
وظهور هذا التوازن في حياة رسول الله  صلى الله عليه وسلم العملية كان على أعلى ما يخطر بقلب بشر فهو العابد والزاهد والمجاهد والزوج و … و … الذي ما كان يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ولا ينهى عن شر إلا كان أو تارك له.
فعن عبادته تقول السيدة عائشة رضي الله عنه (كان النبي  صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقلت له لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال (أفلا أكون عبدا شكورا) رواه الشيخان، وعن أنس رضي الله عنه قال (كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه شيئا ويصوم حتى نظن أن لا يفطر منه شيئا وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا رأيته ولا نائما إلا رأيته) رواه البخارى.
وعن زهده يروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنه قالت: دخلت علىّ امرأة من الأنصار فرأت فراش النبي  صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية فرجعت إلى منزلها فبعثت إلىّ بفراش حشوه الصوف فدخل علىّ رسول الله  صلى الله عليه وسلم فقال (ما هذا ؟) فقلت فلانة الأنصارية دخلت علىّ فرأت فراشك فبعثت إلىّ بهذا فقال (رديه) قالت فلم أرده وأعجبني أن يكون في بيتي حتى قال ذلك ثلاث مرات ثم قال (يا عائشة رديه فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة) قالت: فرددته. وهو إمام الزاهدين الذي ما أكل على خوان قط وما رأى شاة سميطا قط وما رأى منخلا منذ أن بعثه الله إلى يوم قبض ما أخذ من الدنيا شيئا ولا أخذت منه شيئا وصدق  صلى الله عليه وسلم إذ يقول (مالي وللدنيا إنما أنا كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها) .
وأما عن شجاعته وجهاده فيروى أنس رضي الله عنه قال: كان النبي  صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فاستقبلهم النبي  صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول (لم تراعوا … لم تراعوا) وهو على فرس لأبى طلحة عرى ما عليه سرج في عنقه سيف فقال (لقد وجدته بحرا) ، وعن على رضي الله عنه قال: كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله  صلى الله عليه وسلم فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه. ولولا خوف الإطالة لسردنا شمائله  صلى الله عليه وسلم التي نادى بها وعلّمها أمته وكان أول الممارسين العمليين لها.
(ب) الصدق النبوي في الجد والدعابة.
(الصدق صفة أساسية لابد أن يتمتع بها صاحب الرسالة، هذا الصدق لابد أن يكون مطلقا لا يُنقض في أي حال بحيث لو امتحن صاحب الرسالة في كل قول له لكان مطابقا للواقع إذا وعد أو عاهد أو جد أو داعب أو أخبر أو تنبأ وإذا انتقضت هذه الصفة أي نقض فإن دعوى الرسالة تنتقض من أساسها؛ لأن الناس لا يثقون برسول غير صادق والرسول الصادق لا تجد في ثنايا كلامه شيئا من الباطل في أي حال من الأحوال)(3) ولقد كان الصدق من أوضح السمات في شخصية رسول الله  صلى الله عليه وسلم وكفي دلالة على هذا الصدق أن قومه لقبوه بالصادق الأمين بل إن أول انطباع يرسخ في نفس من يراه لأول مرة أنه من الصديقين فعن عبه الله بن سلام قال: لما قدم النبي  صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس وقيل قد قدم النبي  صلى الله عليه وسلم وجئت فيمن جاء قال فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب فكان أول ما قال (يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا والناس نيام تدخلون الجنة بسلام) رواه الترمذى .
فهو الصادق في وعده وعهده فعن عبد الله بن أبى الخنساء قال بايعت النبي  صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وبقيت له بقية فواعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك فنسيت يومي والغد فأتيته اليوم الثالث وهو في مكانه فقال (يا فتى لقد شققت علىّ أنا ههنا منذ ثلاث انتظرك) رواه أبو داود وبعد غزوة حنين جلس رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم هوازن فوقف عليه رجل من الناس فقال إن لي عندك موعدا يا رسول الله قال (صدقت فاحتكم ما شئت) قال أحتكم ثمانين ضائنة وراعيها قال (هي لك وقال احتكمت يسيرا) رواه الحاكم. وأخرج الحاكم عن حويطب بن عبد العزى في قصة إسلامه أنه عندما كان مشركا تولى مطالبة الرسول  صلى الله عليه وسلم بالجلاء عن مكة في عمرة القضاء بعد انقضاء مدة الثلاثة أيام المتفق عليها يقول حويطب: ولما قدم رسول الله  صلى الله عليه وسلم لعمرة القضاء وخرجت قريش من مكة كنت فيمن تخلف بمكة أنا وسهيل بن عمرو لكى نخرج رسول الله  صلى الله عليه وسلم إذا مضى الوقت فلما انقضت الثلاثة أقبلت أنا وسهيل بن عمرو فقلنا : قد مضى شرطك فاخرج من بلدنا فصاح (يا بلال لا تغب الشمس وواحد من المسلمين بمكة ممن قدم معنا) وما حدث أن وعد رسول الله  صلى الله عليه وسلم أو عاهد فأخلف أو غدر ولقد روى البخارى (أن هرقل لما سأل أبا سفيان عن محمد هل يغدر ؟ أجاب أبو سفيان لا فقال هرقل بعد ذلك وسألتك هل يغدر فزعمت أنه لا يغدر وكذلك الرسل لا تغدر) بل إنه  صلى الله عليه وسلم لا يحيد عن الصدق ولا حتى مجاملة لأحد فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال (كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألفهم بذلك فكان يقبل بوجهه وحديثه علىّ حتى ظننت أنى خير القوم فقلت يا رسول الله أنا خير أم أبو بكر فقال أبو بكر فقلت يا رسول الله أن خير أم عمر فقال عمر فقلت أنا خير أم عثمان فقال عثمان فلما سألت رسول الله  صلى الله عليه وسلم فصدقني فلوددت أنى لم أكن سألته) رواه الترمذى.
وحتى في أوقات الدعابة والمرح حيث يتخفف الكثيرون من قواعد الانضباط كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم الصادق في مزاحه فعن أبى هريرة قال (قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا قال إني لا أقول إلا حقا) رواه الترمذى.
(جـ) التوازن الأخلاقي في شخصية رسول الله  صلى الله عليه وسلم.
من أبلغ وأجمع الكلمات التي وصفت أخلاق رسول الله  صلى الله عليه وسلم ما قالته السيدة عائشة رضي الله عنه (كان خلقه القرآن) ولقد كانت هذه الأخلاق من السمو والتوازن ما جعل تواضعه لا يغلب حلمه ولا يغلب حلمه بره وكرمه ولا يغلب بره وكرمه صبره … وهكذا في كل شمائله صلوات الله وسلامه عليه هذا مع انعدام التصرفات الغير أخلاقية في حياته.
فعن تواضعه يروى أبو نعيم في دلائل النبوة عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم من أشد الناس لطفا والله ما كان يمتنع في غداة باردة من عبد ولا من أمة ولا صبى أن يأتيه بالماء فيغسل وجهه وذراعيه وما سأله سائل قط إلا أصغى إليه أذنه فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه وما تناول أحد بيده إلا ناوله إياها فلم ينزع حتى يكون هو الذي ينزعها منه.
وعن حلمه يروى البخاري يوم حنين ورسول الله  صلى الله عليه وسلم يقسم الغنائم فقال رجل والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله فقلت -أي عبد الله راوي الحديث- والله لأخبرن رسول الله  صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخبرته فقال (من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر )
وعن كرمه يروى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال (ما سئل رسول الله  صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال لا ..) وأخرج أحمد عن أنس أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم لم يسأل شيئا على الإسلام إلى أعطاه قال فأتاه رجل فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة فرجع الرجل إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمد يعطى عطاء من لا يخشى الفاقة وأخرج ابن عساكر في قصة إسلام صفوان بن أمية عن عبد الله بن الزبير قال: وخرج رسول الله  صلى الله عليه وسلم قبل هوازن وخرج معه صفوان وهو كافر وقد أرسل إليه يستعيره سلاحه فقال صفوان طوعا أو كرها فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم عارية رادة فأعاره مائة درع بأداتها فأمر رسول الله  صلى الله عليه وسلم فحملها إلى حنين فشهد حنينا والطائف ثم رجع رسول الله  صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة فبينما رسول الله  صلى الله عليه وسلم يسير في الغنائم ينظر إليها ومعه صفوان بن أمية جعل صفوان ينظر إلى شعب ملاء نعما وشاء ورعاء فأدام النظر إليه ورسول الله  صلى الله عليه وسلم يرمقه فقال (أبا وهب يعجبك هذا الشعب) قال نعم قال (هو لك وما فيه) فقال صفوان: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأسلم مكانه.
(د) التوازن النبوي بين الحزم واللين.
(فرغم ما حباه الله به من الحلم والرأفة إلا أنه الحلم والرأفة التي لا تجاوز حدها فكان  صلى الله عليه وسلم يغضب للحق إذا انتهكت حرمات الله فإذا غضب فلا يقوم لغضبه شيء حتى يهدم الباطل وينتهى وفيما عدا ذلك فهو أحلم الناس عن جاهل لا يعرف أدب الخطاب أو مسئ للأدب أو منافق يتظاهر بغير ما يبطن)(4).
فعن عائشة رضي الله عنها قالت (ما ضرب رسول الله  صلى الله عليه وسلم بيده خادما له قط ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثما فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الإثم ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله فيكون هو ينتقم لله) رواه أحمد ، وعن جابر رضي الله عنه قال (كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الوحي أو وعظ قلت نذير قوم أتاهم العذاب فإذا ذهب عنه ذلك رأيته أطلق الناس وجها وأكثرهم ضحكا وأحسنهم بشرا) رواه البزار. ولما نكث بنو قريظة العهد وتحالفوا مع الأحزاب على حرب المسلمين ثم رد الله كيدهم في نحورهم وأمكن الله رسوله منهم رضوا بحكم سعد بن معاذ كما رضيه رسول الله  صلى الله عليه وسلم فحكم سعد أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وزراريهم فتهلل وجه الرسول وقال (لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع سماوات) فقتل رسول الله  صلى الله عليه وسلم منهم في يوم واحد أربعمائة رجل صبرا. وروى ابن إسحاق في قصة أسرى غزوة بدر قال: ومنهم أبو عزة الشاعر كان محتاجا ذا بنات فقال يا رسول الله لقد عرفت مالي من مال وإني لذو حاجة وذو عيال فامنن علىّ فمن عليه رسول الله  صلى الله عليه وسلم وأخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحد فقال أبو عزة في ذلك شعرا يمدح به رسول الله  صلى الله عليه وسلم ثم إن أبا عزة هذا نقض ما كان عاهد عليه الرسول ولعب المشركون بعقله فرجع إليهم فلما كان يوم أحد أُسر فسأل النبي  صلى الله عليه وسلم أن يمن عليه أيضا فقال النبي  صلى الله عليه وسلم (لا أدعك تمسح عارضيك وتقول خدعت محمدا مرتين) ثم أمر به فضربت عنقه. وعن المسور بن مخرمه رضي الله عنه قال خطب علىّ بنت أبى جهل وعنده فاطمة فسمعت بذلك فاتت النبي  صلى الله عليه وسلم فقالت يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك وهذا على ناكح ابنه أبى جهل فقام النبي صلى الله عليه وسلم فتشهد وقال أما بعد فإني أنكحت أبى العاص بن الربيع فحدثني وصدقنى وإن فاطمة بضعة منى يريبنى ما يريبها والله لا تجتمع بنت رسول الله  صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله أبدا قال فترك علىّ الخطبة. إنه اللين الذي لا يعرف الخور والحزم الذي به تكون الرجال فصلوات الله وسلامه عليه.
لقد سجل لنا التاريخ سير آلاف المصلحين والزعماء الذين عاشوا مناضلين من أجل فكرة أو مبدأ أفاد شعوبهم أو الإنسانية عامة ولكن لم تجتمع كل المبادئ الطيبة إلا في شخص رسول الله  صلى الله عليه وسلم في البيت والقيادة والأخلاق والعبادة والكثير من أوجه الحياة التي استنارت بمبعثه فصلوات الله عليه في الأولين والآخرين.

إذا حاولت أن تتعرف على حبيبك المصطفى، فما هي الكتب التي تتحدث عنه وعن سيرته صلى الله عليه وسلم؟ في واقع الأمر لا تجد أمة خدمت نبيها وسجلت سيرته، ولم تترك شاردة ولا واردة كان يفعلها إلا وسجلتها ونقلتها لبقية أفرادها، لا تجد أمة فعلت ذلك مثل أمة الإسلام! ودليل ذلك الكم الهائل والتراث الضخم من الكتب التي تناولت سيرته صلى الله عليه وسلم أو تناولت جوانب من شخصيته أو أمور حياته صلى الله عليه وسلم!!
والسيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام، لها مصادر شتى غير كتب السيرة المعتمدة المعروفة. لذا فلابد لمن أراد الإطلاع على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أو التبحر فيها، لابد له من الاعتناء بهذه الكتب والانتفاع بتلك المصادر كلها ما أمكن.
ولكن لماذا نقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؟ يرد ابن القيم على هذا السؤال، فيقول: وإذا كانت سعادةُ العبد في الدارين معلقةً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فيجِب على كل من نصح نفسه، وأحب نجاتها وسعادتها، أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه مَا يَخْرُجُ به عن الجاهلين به، ويدخل به في عِداد أتباعه وشِيعته وحِزبه. والناس في هذا بين مستقِل، ومستكثِر، ومحروم. والفضلُ بيد اللّه يُؤتيه من يشاء، واللّه ذو الفضل العظيم.[1]
كما أن دراسة السيرة – وبخاصة غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وحروبه - هامة للغاية للأمة الآن، وهي تريد أن تستلهم طريق العودة مرة أخرى لريادة العالم. قال علي بن الحسين رحمه الله: " كنا نُعلّم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كما نُعلّم السورة من القرآن ". وقال الزهري: " في علم المغازي علم الآخرة والدنيا ".[2] وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: " كان أبي يُعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدها علينا، ويقول: هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها ".[3]
كما أن دراسة السيرة تكتسب أهميتها الخاصة في الوقت الراهن، الذي شهد تطاولا عليه صلى الله عليه وسلم من بعض الأقزام، فكان لزاما أن نرجع إلى السيرة لنعرف ملامح من حياته صلى الله عليه وسلم عن كثب، ولكي نستطيع الرد على سفالات كل من تسول له نفسه التطاول عليه صلى الله عليه وسلم أو النيل منه.
ولكن هناك تحذير: فقد تظن أنك درست حياة محمد صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم إذا تابعت تاريخه من المولد إلى الوفاة، وهذا خطأ بالغ!! إنك لن تفقه السيرة حقا إلا إذا درست القرآن الكريم، والسنة المطهرة. وبقدر ما تنال من ذلك، تكون صلتك بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.[4]
ونستعرض فيما يلي الكتب التي كتبها أئمة علماء المسلمين على مر التاريخ، وتناولت سيرته صلى الله عليه وسلم أو جوانب من حياته، حتى يمكن الانتفاع بها، ومعرفة محتوى كل كتاب منها:

أولا: القرآن الكريم، وكتب تفسيره، وبخاصة المأثور منها:
فقد تحدثت آيات كثيرة من القرآن عن مواقف معينة تعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من الرعيل الأول من الصحابة الكرام. ولذلك فإننا نجد في السيرة ما يعين على فهم كتاب الله تعالى، لأنها هي المفسرة للقرآن الكريم في الجانب العملي، ففيها أسباب النزول، وتفسير لكثير من الآيات، كما ندرك منها الناسخ والمنسوخ.
ومن علوم القرآن ما له تعلق مباشر بالسيرة النبوية، مثل أسباب النزول. فسبب النزول[5] هو ما نزلت الآية أو الآيات متحدثة عنه أو مبينة لحكمه أيام وقوعه. والمعنى أنه حادثة وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أو سؤال وُجه إليه، فنزلت الآية أو الآيات من الله تعالى ببيان ما يتصل بتلك الحادثة، أو بجواب هذا السؤال.

ثانيا: كتب الحديث، فهي بالإضافة لكونها تتضمن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، تتضمن كذلك أفعاله وتقريراته وأوصافه الخَلقية والخُلقية، ومن ذلك مراحل دعوته وجهاده وغزواته ومواقفه، وهي سجل حافل لحياته كلها:
وعلى سبيل المثال، فقد أفرد الإمام البخاري في صحيحه كتابا لمناقب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتابا لمغازيه.
كذلك خصص الإمام مسلم في صحيحه كتابا للجهاد والسير، وكتابا آخر لفضائله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم.

ثالثا: كتب الشمائل والهدي النبوي. وهي كثيرة ومتنوعة. ومن أهم ما كتب في هذا الباب:
1- الشمائل المحمدية
للإمام أبي عيسى محمد الترمذي صاحب السنن. وقد تحدث فيه صاحبه عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم الجسمية وبيّن كيف كان شكله صلى الله عليه وسلم حتى كأنك تراه. ثم تناول بعد ذلك أمور حياته كلها، مثل كيفية أكله وشربه ونومه ... الخ. وقد قام العلامة الشيخ الألباني باختصار هذا الكتاب وتخريجه.
2- زاد المعاد في هدي خير العباد:
للعلامة المحقق شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد، المشهور بابن قيم الجوزية. ويسمى بـ " الهدي النبوي "، وبـ " الهدي" اختصاراً. وهو من أشهر كتب العلامة ابن القيم، ولاسيما في وقتنا هذا. ويمتاز بذكر الأحكام والفوائد الفقهية المستنبطة من حوادث السيرة، مع ذكر هديه عليه الصلاة والسلام في أموره كلها. ومما يثير الدهشة أن المؤلف – رحمه الله – قد ألف كتابه هذا في حال السفر، ولم تكن في حوزته المصادر التي ينقل منها ما يحتاج إليه من أخبار وآثار تتعلق بموضوع الكتاب، الأمر الذي يشهد بسعة إطلاعه وجودة حفظه وسرعة بديهته. ولا غنى لقارئ هذا الكتاب عن تحقيق الأرناؤوط.
ولهذا الكتاب مختصرات عدة:
o  فقد اختصره الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب.
o كما اختصره الأستاذ مصطفى محمد عمارة، وسماه: ثمر الوداد مختصر زاد المعاد في هدي خير العباد صلى الله عليه وسلم.

ومن الكتب التي تتعلق بهذا الكتاب أيضا:
o سيرة خير العباد شفيع يوم المعاد صلى الله عليه وسلم مجردة من زاد المعاد: للشيخ صالح بن أحمد، جرده من الزاد، وألحق به شيئاً يسيراً من تاريخ الطبري.
o مختارات من زاد المعاد: لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
ومن الشروح المسجلة لهذا الكتاب: شرح سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ولكنه غير كامل.
3- الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم:
للقاضي عياض أبي الفضل عياض بن موسى ابن عياض. وقد قام المؤلف بتقسيم كتابه إلى أربعة أقسام: الأول في بيان تعظيم العلي الأعلى لقدر النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا، والثاني فيما يجب على الأنام من حقوقه صلى الله عليه وسلم، والثالث: فيما يجب للنبي صلى الله عليه وسلم، وما يستحيل في حقه، أو يجوز عليه، أو يصح من الأحوال البشرية أن تضاف إليه، والرابع في تصرف وجوه الأحكام فيمن تنقصه أو سبه عليه الصلاة والسلام. قال الكتاني في الرسالة المستطرفة: وهو كتاب عظيم النفع وكثير الفائدة لم يؤلف مثله في الإسلام.
4- الوفا في فضائل المصطفى:
لأبي الفرج بن الجوزي. وقد زادت أبواب هذا الكتاب على خمسمائة في مجلدين.
5- المواهب اللدنية بالمنح المحمدية:
للشيخ شهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر الخطيب القسطلاني. وقد رتبه على عشرة مقاصد، الأول والثاني عن أحداث السيرة، وبقيته في الكلام على الشمائل النبوية.
ومن الشروح التي على هذا الكتاب: شرح العلامة الشيخ محمد عبد الباقي يوسف محمد الزرقاني.
أما مختصراته: فقد اختصره الشيخ يوسف النبهاني، وسماه: الأنوار المحمدية من المواهب اللدنية.
ومن الكتب التي تتعلق به: التنبيهات السنية على الهفوات في كتاب المواهب اللدنية، للدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس.

رابعا: كتب التاريخ العام، مثل تواريخ الطبري وابن الأثير وابن كثير. ففي كل منها فصول خاصة عن السيرة النبوية، ولاسيما تاريخ ابن كثير، المسمى البداية والنهاية. وقد فصلت السيرة من تاريخه، وطبعت محققة مستقلة، على ما يلي:
1- السيرة النبوية:
للإمام الحافظ أبي الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي. وهذه السيرة مستلة من كتابه الجامع " البداية والنهاية " في التاريخ، ومنهجه قريب من منهج البيهقي في " دلائل النبوة ".
وقد قام بتهذيبه الشيخ مروان كجك، وخرّج أحاديثه الشيخ فتحي بن فتحي الجندي، في مجلد كبير باسم: " تهذيب سيرة ابن كثير ".
2- الفصول في اختصار سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم:
للإمام الحافظ أبي الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي. وهو اختصار للكتاب المذكور آنفا.

خامسا: كتب دلائل النبوة، وهي التي تعني بما ظهر على يديه صلى الله عليه وسلم من الآيات والخوارق، وما نبّأ به من الغيوب. والحديث عن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم شيق، لأنه يشير إلى عناية الله سبحانه تعالى برسوله الأمين، وإمداده بالخوارق التي تثبت نبوته، وتؤيد دعوته، وتحقق رسالته. ومن أهم الكتب التي تناولت هذا الموضوع:
1-   دلائل النبوة، للإمام أبو داود السجستاني صاحب السنن.
2-   أعلام النبوة، للإمام أبو قتيبة الدينوري.
3-   دلائل النبوة، للإمام أبو بكر بن أبي الدنيا.
4-   تثبيت دلائل النبوة، للقاضي عبد الجبار الهمذاني.
5-   إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، للإمام أحمد بن الحسين الزيدي.
6-   دلائل النبوة، للإمام أبو نعيم الأصفهاني صاحب كتاب حلية الأولياء
7-   أعلام النبوة، للإمام أبي الحسن الماوردي صاحب كتاب أدب الدنيا والدين.
8- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، للإمام أبي بكر بن الحسين البيهقي. وهو كتاب جامع في هذا الباب، وسوف نفرده بالحديث عنه فيما يلي.
9- الخصائص الكبرى، للإمام جلال الدين السيوطي. وتحدث فيه عن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته.
10- حجة الله على العالمين، للشيخ يوسف النبهاني.

ونخص كتاب الإمام البيهقي بذكر نبذة عنه لأهميته وعظيم فائدته، وباعتبار أنه من أهم ما صّنف في هذا الباب:
·  دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة:
للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. وهو من أهم كتب السيرة وأوفاها، يسوق الروايات بأسانيدها إلى أصحاب الكتب المعتبرة، وأحياناً يتكلم على الروايات ويبين حالها. قال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية: " أما كتاب [ دلائل النبوة ] وكتاب [ شعب الإيمان ] وكتاب [ مناقب الشافعي ] – وهي كلها للإمام البيهقي - فأقسم ما لواحد منها نظير ". وقال الحافظ ابن كثير في طبقات الفقهاء الشافعيين عن الإمام البيهقي: " وصنف الكتب الفقهية والحديثية المليحة المفيدة ... ودلائل النبوة، وهو من الكتب النافعات الشامخات ". وقال ابن كثير أيضا في البداية والنهاية: " وجمع أشياء كثيرة نافعة لم يُسبق إلى مثلها، ولا يدرك فيها، منها: كتاب السنن الكبير ... ودلائل النبوة، والبعث والنشور، وغير ذلك من المصنفات الكبار والصغار المفيدة التي لا تُسامى ولا تُدانى ". وقال عنه الكتاني في الرسالة المستطرفة: " وفيه يقول الذهبي عليك به فإنه كله هدى ونور ".
ومن المختصرات على هذا الكتاب: ما قام به الإمام ابن الملقن، الذي اختصره في كتاب أسماه: غاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم.

سادسا: كتب السير والتراجم، حيث أفردت الحديث عن السيرة النبوية قبل البدء في الحديث عن الصحابة والتابعين:
مثل كتاب سير أعلام النبلاء، للحافظ الذهبي، الذي ذكر فيه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البدء في سرد سيرة الأعلام من النبلاء من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.
وكتاب الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد، حيث أفرد أول مجلدين لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله، ثم دلف بعد ذلك على باقي أعلام الصحابة حسب طبقاتهم المختلفة.

سابعا: الكتب الخاصة عن السيرة النبوية. ومن أهمها:
1- السيرة النبوية:
للإمام أبي محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب. وهذا الكتاب من أوائل كتب السيرة، وأكثرها انتشاراً، اختصره من سيرة ابن إسحاق بعد أن نقحها وحذف من أشعارها جملة مما لا تعلق له بالسيرة.

ولهذه السيرة عدة شروح منها:
o الروض الأُنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام: لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن السهيلي الحافظ. قام فيه بشرح غريب ألفاظها وإعراب غامضها وكشف مستغلقها، وذكر فيه أنه استخرج كتابه هذا من مائة وعشرين مصنفا فأجاد فيه وأفاد. وقد اختصره عز الدين محمد بن أبي بكر بن عز الدين بن جماعة الكناني وسماه نور الروض.
o  الإملاء على سيرة ابن هشام: لأبي ذر مصعب بن محمد الخشني الأندلسي، المعروف بابن أبي الركب. وهو كتاب في تفسير غريب السيرة لابن هشام.
كما قام بتهذيب هذا الكتاب الأستاذ عبد السلام محمد هارون، وسماه: تهذيب سيرة ابن هشام.
2- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد:
للشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف الصالحي الشامي. وقد ذكر أنه أخذه من ثلاثمائة كتاب، وقال عنه: " نتيجة عمري وذخيرة دهري"، وأنه في نحو ألف باب.
3- عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير:
لأبي الفتح محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس. وهو كتاب معتبر جامع لفوائد السير من أحسن ما ألف فيها، غير انه أطال بذكر الإسناد.
ولهذا فقد قام الإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي باختصاره، وسماه: الدرر في اختصار المغازي والسير. وهو على اختصاره من المراجع التي نقل عنها من جاء بعده ممن ألفوا في السيرة النبوية.
4- الإشارة إلى تاريخ المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفا:
للحافظ علاء الدين أبي عبد الله مغلطاي بن قليج بن عبد الله. قال الفاسي في العقد الثمين: " فيه من الفوائد النفيسة ما لا يوجد في كثير من الكتب المبسوطة في هذا المعنى ".
5- مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم:
لشيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب. وهو من أجود الكتب المختصرة في السيرة، وقد ضمنه بعض الاستنباطات المفيدة مع بيان حال أهل الجاهلية اعتقاداً وسلوكاً في أوله.
6- مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم:
للشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وهو قريب من سابقه، إلا أنه أبسط منه وأوسع.

ويضاف إلى هذه المجموعة من الكتب الخاصة عن السيرة النبوية، الكتب المستحدثة التي كتب فيها أعلام الكتّاب والمحققين في العصر الحديث، ومن أظهرها:
1-  السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة: للشيخ محمد بن محمد أبو شهبة.
2-  الرحيق المختوم: للشيخ صفي الدين المباركفوري.
3-  هذا الحبيب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا محب، للشيخ أبو بكر الجزائري.
4-  خاتم النبيين: للشيخ محمد أبو زهرة
5-  فقه السيرة: للشيخ محمد الغزالي، بتحقيق العلامة الألباني.
6-  السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث: للدكتور علي محمد الصلابي.

المراجع:
1.    الدليل إلى المتون العلمية، عبد العزيز إبراهيم قاسم.
2.    ففروا إلى الله، أبي ذر القلموني، مكتبة السنة، 1422 هـ.
3.    ثقافة الداعية، الشيخ يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، 1416 هـ.
4.    ثقافة الداعية، وهو ضمن مجموعة: سلسلة مدرسة الدعاة، عبد الله علوان، دار السلام، 1422 هـ.

10 من المحرم عام 1427 من الهجرة ( الموافق في تقويم النصارى 9 من يناير عام 2006 ).

هل أشرح العنوان؟! ..
أخاف على إشراقه أن يُمَس !.. و أغار على جماله أن يُنتقَص !..
وأعترف أني – في نفسي – قد حاولت ، واستنجد ت بمفردات اللغة فما نجحت ، فيا حيرة القلم ، ويا عجمة البيان !
وإذا ما عجزت عن بلوغ النجم في ذ راه ، فلن أعجز عن الإشارة إلى النجم في سُراه ، ورُبَّ كلمة يبارك الله بها فنقرأ فيها فحوى كتاب ، وكم بارك الله بالسطور التي لا تُرى !
أخي الذي تقرأ معي هذه الكلمات : ألست معي في أنّ من عرف محمداً، عرف كل خير وحق وجمال ؟ وظفر بكون معنوي كامل قائم بهذا الإنسان الأعظم ؟
ومن شك فليدرس حياته كلها – أقول كلها – بقلب منصف ، وعقل مفتوح ، فلن يبصر فيها إلا ما تهوى العلا ، ولن يجد فيها إلا كرا ئم ا لمعا ني ، وطهر ا لسيرة والسريرة .
أرأيت العطر !! ألا يغنيك استنشاقه في لحظة عن وصفه في كتاب !؟
فإنك ما إن تقرأ كلامه حتى يتصل بك تيار الروح العظيمة التي أودَعت بعض عظمتها في أحاديثها ، فإذا بالقلب يزكو ، والنفس تطيب ، وإذا بأنوار النبوة تمحو عن النفس حجاب الظلمات !
هكذا يخترق كلام النبوة حُجب النفس بعد أن اخترق حجب الزمان .
محظوظون أولئك الذين استطاعوا الرقي إلى عالم النبي ، لأنهم سيشعرون في فضاءات عظمته أنهم عظماء ، فالحياة في ظلال الرسول حياة … وإذا كانت حياة الجسم في الروح ، فإن حياة الروح في سنة و سيرة وحياة الحبيب المصطفى …
لا يمكن الإحاطة بجوانب عظمة النبي محمد إلا إذا أمكن الإحاطة بجميع أطواء الكون ، فلقد كان رسول الله صلىالله عليه وسلم عالَماً في فرد ، فكان بهذا فرداً في العالم..
النبوة إشراق سماوي على الإنسانية ، ليقوّمها في سيرها ، ويجذبها نحو الكمال ..
والنبي من الأنبياء هو الإنسان الكامل الذي يبعثه الله تعالى لتهتدي به خُطا العقل الإنساني في التاريخ ..
لقد كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام النور الذي أشرق في تاريخ الإنسان ، ففيهم تحس صدق النور ، وسر الروعة ، ولطف الجمال الظاهر والباطن …
في طهر سيرتهم ، ونقاء سريرتهم ، وعطر أفكارهم ، ويقظة أفئد تهم ، وفي كل حركاتهم وسكَناتهم تلمس إعجاز النبوة العجيب.. أ ليس الله قد اصطنعهم على عينه ، واختارهم ليـبلغوا رسالته ؟!
لقد كان الأنبياء هم البدء ، ولا بد للبدء من تكملة ، والتكملة بدأت في يوم حراء ، غرّة أيام الدهر ، ففيه تنزلت أنوار الوحي على من استحق بزّة الخاتمية فكان خاتم الأنبياء ، ومن ذا يستحق أن يُختم به الوحي الإلهي غير الصادق الأمين ؟!
الصادق الذي ما كذ ب مرة قط ، لا على نفسه ، ولا على الناس ، ولا على ربه … ومن منا يستطيع أن يكون صادقاً في أقواله وأفعاله ومشاعره ومواقفه مدى الحياة ؟! اللهم لا يطيق هذا سوى الأنبياء … والأمين الذي كان أميناً في كل شيء وكان قبل كل شيء أميناً على عقول الناس ، وأفكار الناس .
كسفت الشمس يوم توفي ولده إبراهيم ، فقالوا : "كُسفت الشمس لموت إبراهيم" لم يستغل رسول الإنسانية الأمين ضعف الناس فيتخذ من هذه الحادثة الاستثنائية دليلاً على صدق نبوته .. فنبوته حق ، والحق قوي بذاته ، والطبيعة لا تتدخل في أحزان الإنسان ، فجاء البيان النبوي الصادق :" إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تكسفان لموت أحد" وهيهات أن يقبل الرسول لأصحابه أن يكون الجهل سبباً للإيمان …
لم يشغله حزنه الكبير على وفاة طفله الصغير ، عن تصحيح مفهوم خاطئ عند الناس .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أميناً في تبليغ الرسالة كلها ، فلم يُخف من القرآن المنزل عليه آيـة ، ولو لم يكن نبيـاً لما وجد نا في القرآن سورة (مريم) و(آل عمران) .. لو لم يكن نبياً لكتم آياتٍ كثيرةً من مثل هذه الآية الكريمة : " وإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلى نِسَاء الْعَالَمِينَ "(1). "على نساء العالمين" ! هكذا بهذا الإطلاق الذي رفع السيدة مريم إلى أعلى الآفاق ! أي صدق؟! وأية دلالة على مصدر هذا القرآن وصدق النبي الأميــن ؟ ! ولو لم يكن رســولاً مــن الله ما أظهر هذا القول في هذا المجال بحال ..
إن نبوّة محمد هي نبوّة صدق وأمانة وإيمان ، إنها نبوة تدعو إلى فهم ووعي وهداية ، هداية بالتفكر والتأمل والنظر (فالتفكير يوجب الإسلام والإسلام يوجب التفكير)(2) … (فلا يُخشى على الإسلام من حرية الفكر ، بل يخشى عليه من اعتقال الفكر)(3).
إنها نبوة مبشرة منذرة " إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " (4)
لا إغراء في هذه النبوة ولا مساومة " قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ "، و إ ن من لا يُصدق هذه ا لنبوة فلن يصدق أي خبر عن الإيمان أ و ا لوجود ، ومن لا ينتفع بعقـله وضميره للإيما ن بهذه ا لنبوة فلن تنفعه كل ا لمعجزا ت .
لقد كان القرآن معجزة الإسلام الأولى ، وكان الرسول بذاته وأخلاقه وسيرته وانتشار دعوته معجزة الإسلام الثانية ، وحُقّ للنفس التي تجمعت فيها نهايات الفضيلة الإنسانية العليا أن تكون معجزة الإنسانية الخالدة .


يقول أســتاذ الفلســفة راما راو : ( إن إلقاء نظرة على شخصية محمد تسمح لنا بالاطلاع على عدد كبير من المشاهد : فهناك محمد الرسول ، ومحمد المجاهد ، ومحمد الحاكم ، ومحمد الخطيب ، ومحمد المصلح ، ومحمد ملجأ الأيتام ، ومحمد محرر العبيد ، ومحمد حامي المرأة ، ومحمد القاضي ، ومحمد العابد لله .. كل هذه الأدوار الرائعة تجعل منه أسوة للإنســانية ) (5)..
ويقول الزيات : "لما بُعث الرسول الكريم بَعث الحرية من قبرها ، وأطلق العقول من أسرها ، وجعل التنافس في ا لخير ، والتعاون على البر ، ثم وصل بين القلوب بالمؤاخاة ، وعدل بين الحقوق بالمساواة .. حتى شعر الضعيف أن جـنــد الله قـوّتــه ، والفقير أن بيت المال ثروتـه !! والوحيد أن المؤمنين جميعـاً إخوتــه .." (6).

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فإن النبي أتى إلى البشرية بتطهير النفس من الأخلاق الرديئة، وحثها على الأخلاق الحسنة. ومن أعظم الأخلاق الفاضلة التي أوصى بها النبي خلق الرفق، ذلك الخلق الرفيع الذي يضع الأمور في نصابها، ويصحح الأخطاء، ويقوِّم السلوك، ويهدي إلى الفضائل بألطف عبارة وأحسن إشارة وطريقة مؤثرة.
لقد أكثر النبي في الرفق فقال: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"[2]. وفي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي قال: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه". وهذا يدل على أهمية هذا الخلق، وحاجة الخلق إليه في سائر شئونهم.
إن الرفق يعني لين الجانب بالقول والفعل، واللطف في اختيار الأسلوب وانتقاء الكلمات، وطريقة التعامل مع الآخرين، وترك التعنيف والشدة والغلظة في ذلك، والأخذ بالأسهل. والرفق عام يدخل في كل شيء.. تعامل الإنسان مع نفسه، ومع أهله، ومع أقاربه، وأصحابه، ومع من يشاركه في مصلحة أو جوار، وحتى مع أعدائه وخصومه، فهو شامل لكل الأحوال والشئون المناسبة له.
إن استعمال الرفق في الأمور يؤدي إلى أحسن النتائج وأطيب العواقب، ويبارك الله في هذا السلوك وينفع به. أما استعمال العنف والشدة والغلظة فتفسد الأمور وتصعبها على أصحابها، وتجعل النتائج عكسية، ويحرم الخير من ترك الرفق، وترفع البركة في عمله، ويصعب عليه الأمر. قال رسول الله : "من يحرم الرفق يحرم الخير كله"[3]. وقال : "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه"[4].
كما أن الرفق له أثر حسن في التأليف بين القلوب والإصلاح بين المتخاصمين، وهداية الكفار واستياقهم إلى الإسلام والبركة في الرزق والأجل، كما قال النبي : "إنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار"[5].
وليست الرجولة والمروءة في ترك الرفق واستعمال العنف والشدة في سائر الأحوال، ويخطئ من يظن أن استعمال الرفق ينقص من قدر الإنسان، أو يكون علامة على ضعف الإنسان وخوره في طلب الحقوق، فإن هذا الفهم خاطئ من موروثات الجاهلية؛ لأن سلوك الرفق لا يقتضي ترك المطالبة بالحق أو السكوت عن الباطل أو المداهنة فيه أو التنازل عن الحقوق، وإنما هو استعمال اللطف في الأسلوب والطريقة فقط دون المضمون؛ فالرفيق يطالب بحقه ويبين الشرع ويأمر بالمعروف ويؤدب من تحت يده ويعامل الناس، ولكن كل ذلك يفعله بسلوك اللطف والرفق. قال الله تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43، 44]. وقال سفيان الثوري: "لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فيه خصال ثلاث: رفيق بما يأمر رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر عدل بما ينهى، عالم بما يأمر عالم بما ينهى".
لقد كان رسول الله يعيش الرفق ويتمثل به في سائر أحواله وشئون حياته، كما قالت عائشة رضي الله عنها: "ما خُيِّر رسول الله بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه"[6].
وقد ثبت ذلك عنه في مجالات كثيرة، منها:
1- الرفق مع الأهل: قالت عائشة رضي الله عنها: "ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل شيء منه قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله تعالى"[7]. وكانت زوجه عائشة إذا هويت شيئًا أتبعها إياه ما لم يكن إثمًا، وقد أذن لها بالنظر إلى أهل الحبشة وهم يلعبون، وأذن لها بالفرح واللعب يوم العيد.
2- الرفق مع الخادم: فعن أنس بن مالك قال: "خدمت رسول الله عشر سنين، والله ما قال لي أف قط، ولا قال لي لشيء: لمَ فعلت كذا، وهلاَّ فعلت كذا"[8].
3- الرفق مع الأطفال: فعن عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُا- قالت: "كان رسول الله يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم، ويحنكهم ويدعو لهم"[9]. وعن أنس قال: "كان رسول الله يزور الأنصار، ويسلم على صبيانهم، ويمسح على رءوسهم"[10]. وكان دائمًا يقبِّل الحسن والحسين ويلاعبهما. وحمل أمامة بنت زينب في الصلاة؛ رفقًا بها.
4- الرفق مع السائل: قال أنس: "كنت أمشي مع رسول الله وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي وقد أثَّرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء"[11].
5- الرفق في تعليم الجاهل: عن معاوية بن الحكم السلمي يقول: "بينما أنا أصلي مع رسول الله ، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، ما شأنكم تنظرون إليَّ. فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمِّتونني، لكني سكتُّ، فلما صلى النبي ، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فو الله ما قهرني ولا ضربني، ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"[12].
6- الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: عن أَبي هريرة قَالَ: "بال أعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي : دعوه وأريقوا على بوله سَجْلاً من ماء أو ذَنُوبًا من ماء؛ إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"[13].
7- الرفق مع العاصي التائب: عن أبي هريرة أنه قال: "بينما نحن جلوس عند النبي إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت! قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال : هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكينًا؟ قال: لا. فمكث النبي ، قال: فبينما نحن على ذلك أُتي النبي بعرق فيه تمر والعرق المكتل فقال: أين السائل؟ فقال: أنا. فقال: خذه فتصدق به"[14].
وكذلك رَفِقَ مع الرجل الذي قبَّل امرأة وجاء نادمًا، فبيَّن له أن الصلاة كفارة لذنبه ولم يعنِّف عليه، وهذا ثابت في الصحيح.
8- الرفق في الصبر على الأذى: قالت عائشة -رضي الله عنها- للنبي : (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت للنبي : هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضتُ نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقتُ وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلاَّ وأنا بقرن الثعالب، فرفعتُ رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النبي : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا)[15].
9- الرفق في التعامل مع الكفار: فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (دخل رهط من اليهود على رسول الله فقالوا: السام عليك. ففهمتها، فقلت: عليكم السام واللعنة. فقال رسول الله : مهلاً يا عائشة؛ فإن الله يحب الرفق في الأمر كله. فقلت: يا رسول الله، أوَلم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله : فقد قلت عليكم)[16]. وكان يخاطب الكفار ويناظرهم، ويقبل هديتهم، ويعود مريضهم ويجيرهم، ويحسن إليهم إذا اقتضت المصلحة ذلك.
10- الرفق بالناس في العبادات: قال جابر بن عبد الله: (أقبل رجل بناضحين[17] وقد جنح الليل، فوافق معاذًا يُصلي فترك ناضحه وأقبل إلى معاذ، فقرأ بسورة البقرة أو النساء، فانطلق الرجل وبَلَغَه أن معاذًا نال منه، فأتى النبي فَشَكَا إليه معاذًا، فقال النبي : يا معاذ، أفتان أنت أو فاتن -ثلاث مرار- فلولا صليت بـ سبح اسم ربك، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى؛ فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة)[18].
وعن أنس أن النبي قال: "إني لأدخل الصلاة أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي؛ فأخفف من شدة وجد أمه به"[19]. ومن رفق النبي بأمته أنه نهاهم عن الوصال؛ خشية المشقة بهم، ورفقه بهم في ترك الأمر بالسواك عند الصلاة، وترك تأخير العشاء إلى وقتها الفاضل خشية المشقة عليهم، وغير ذلك مما يطول ذكره؛ كالإبراد بالصلاة وقت الحر، والجمع بين الصلوات حال العذر.
11- الرفق مع النفس في التطوع: فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم)[20]. وكان عمله ديمة ولو قلَّ. وقال : "خذوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا"[21]. ونهى عبد الله بن عمرو عن المبالغة في العبادة؛ خشية تضييع الحقوق والواجبات.
ومع كون الرفق غالبًا على تصرفات النبي في كثير من أحواله إلا أنه استعمل الشدة في أحوال خاصة كانت الشدة هي اللائقة بها والمناسبة لها، وتتحقق فيها المصلحة أكثر من الرفق، وسلوكها مقتضى العدل وكمال العقل الذي دلَّ عليه الشرع:
(1) في إقامة الحدود: عن أبي هريرة وزيد الجهني أن النبي قال: "والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رَدٌّ عليك، وعلى ابنك جلدُ مائة وتغريب عام، واغْدُ يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها"[22]. وكان لا تأخذه رأفة ورحمة في إقامة الحدود وتنفيذها.
(2) في مقام التعزير: كما في قصة هجر كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلف الثلاثة عن غزوة تبوك، فهجرهم النبي والصحابة خمسين يومًا حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، ولم يكن أحد يجالسهم أو يكلمهم أو يحيهم، حتى أنزل الله في كتابه توبته عليهم، والقصة ثابتة في الصحيحين.
(3) في تأديب الزوجة: فقد هجر نساءه شهرًا وامتنع عن وطئهن، واعتزل بيوتهن في مشربة له، لما ألحفن عليه في النفقة، كما في الصحيحين من حديث ابن عباس: (أَن النبي آلَى من نسائه شهرًا، فلما مضت تسع وعشرون نزل إليهن).
(4) في قتال الكفار وجهادهم: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: 73].
(5) في زجر العاصي المعاند: عن سلمة بن الأكوع قال: (أن رجلاً أكل عند رسول الله بشماله , فقال: "كُلْ بيمينك". قال: لا أستطيع. قال: "لا استطعت". ما منعه إلا الكبر. قال: فما رفعهما إلى فِيه)[23].
(6) في النهي عن البدع والمحدثات: لما رأى عمر بيده التوراة غضب وأنكر عليه بقوله: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، وإنكم إما أن تصدقوا بباطل، وإما إن تكذبوا بحق، وإنه والله لو كان موسى حيًّا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني"[24].
ومع ذلك فلم يكن في شدته ظلم لأحدٍ، أو مجاوزة لحدود الله في حقوق الخلق وحرمتهم. فالفقه في هذا الباب أن المشروع للمسلم استعمال الرفق في سائر الأمور إلا إذا دعت الحاجة واقتضت المصلحة في استعمال الشدة، فيكون ترك الرفق في هذا المقام مشروعًا.
وبهذا يتبين أن سلوك الرفق في كل شيء حتى إذا انتهكت محارم الله وضيِّعت الحقوق وأميتت السُّنَّة مسلكٌ خاطئ مخالف للشرع، وقد ثبت في الصحيح أن النبي يغضب إذا انتهكت محارم الله. وكذلك سلوك الشدة في سائر الأحوال والأمور مسلك خاطئ يفضي إلى تنفير الناس، وصرفهم عن الحق، ووقوع العداوة والبغضاء، وقد أمر النبي بالتيسير وعدم التعسير، وكان يرشد أصحابه بذلك إذا بعثهم إلى الأمصار.
والحاصل أن الفقه والبصيرة في الدين هي أن الأصل في الأمور كلها الرفق إلا في أحوال قليلة تستعمل الشدة. قال النووي في شرح حديث الرفق: (وفيه حث على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة). وهذا المسلك الحق من توفيق الله للعبد وتيسيره. فهنيئًا بمن اقتدى بالرسول الكريم وكان رفيقًا لطيفًا متسامحًا، تاركًا للعنف والشدة، هينًا قريبًا، يألف ويؤلف.

تأملات إيمانية

[تأملات إيمانية][fbig1]

دروس ومحاضرات

[دروس ومحاضرات][slider2]

يتم التشغيل بواسطة Blogger.